الجمعة، 25 نوفمبر 2011

"المرأة العسراء" فى الإسكندرية


بوابة شباب الثورة

يستضيف مزكر (إبداع الحرية بالإسكندرية)- التابع لصندوق التنمية الثقافية ، فى الثامنة مساء غدا، العرض المسرحى ( المرأة العسراء) " للكاتب بيتر هاندكيه ، إخراج شريف حمدى ، وذلك بالتعاون مع سفارة النمسا بالقاهرة..

تدور أحداث العرض حول "ماريانا" المتزوجة من المدير "برونو" منذ عشر سنوات وتعيش معه ومع ابنها شتيفان فى باريس، لكنها قررت لسبب غير واضح أن تنفصل عن زوجها، فتركت زوجها وعاشت بمفردها مع ابنها البالغ من العمر ثمانية أعوام، وبدا هذا التحول فى حياتها على أنه خطوة إلى الحرية فى بادئ الأمر، لكنها ظلت وحيدة وتقوقعت حول نفسها حتى أصبحت فى النهاية بلا أى علاقات ووحيدة ومنعزلة عن العالم الخارجى.

علماء نوبل يشاركون في مؤتمر بيوفيجين 2012 بمكتبة الإسكندرية


بوابة شباب الثورة


تنظم مكتبة الإسكندرية، في الفترة من 22 إلى 25 إبريل 2012، مؤتمر "بيوفيجن الإسكندرية 2012" بمشاركة علماء وباحثين بارزين، من بينهم ثلاثة حاصلين على جوائز نوبل، وعدد من الطلاب والمهتمين بهذا المجال.وسيشهد المؤتمر حضور كل من بول كروتسين، الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1995، وريتشارد إرنست؛ الحاصل على نوبل في الكيمياء عام 1991،وول سوينكا الحاصل على نوبل في الأدب عام 1986. وصرح مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية الدكتور خالد عزب اليوم "الخميس" أن المؤتمر سيقام تحت عنوان "العلوم الحياتية الجديدة: ربط العلم بالمجتمع"، بهدف مناقشة دور العلم في الوصول إلى مجتمع عادل ينعم بالمساواة، وذلك من خلال وضع السياسات التي تخدم هذا الغرض، بالإضافة إلى تطوير البحث العلمي لافتا الى أن المؤتمر سيلقي الضوء على قضايا متعددة مثل الصحة والبيئة والغذاء والزراعة وحقوق 
المهمشين. ويأتي انعقاد بيوفيجين الإسكندرية 2012 استمرارا للتقليد الذي بدأ في مؤتمر "بيوفيجن 1999"، الذي أُقيم في مدينة ليون بفرنسا؛ حيث نظمته مكتبة الإسكندرية لأول مرة عام 2004، وأصبح منذ ذلك الحين يعقد سنويا بالتبادل بين الإسكندرية وليون. 

الأحد، 20 نوفمبر 2011

البحث العلمي وامتلاك التقنية



البحث العلمي وامتلاك التقنية
الزبير مهداد- الجزائر

أكدت أبحاث عديد من العلماء على الأثر القوي للتعليم على الإنتاج وعلى التطور الاقتصادي والتقدم التقني، فخلف كل مظاهر التقدم التقني والاقتصادي تكمن جهود العلماء الباحثين في مختبراتهم. فمؤسسات البحث العلمي تلعب دورا مهما في تطوير الإنشاءات، وضمان نجاح التخطيطات الاقتصادية وتصحيحها وتقييمها. كما تؤدي البحوث إلى حدوث اكتشافات علمية تؤثر في طبيعة فهم الإنسان ونظرته إلى العالم وفي كشف مناطق جديدة من المعلومات والاحتمالات التطبيقية التي تتحول إلى وسائل وأدوات تكنولوجية للإنتاج والمواصلات وغيرها؛
فالبحث العلمي هو استنباط للمعرفة، وتطوير لمنتج، وتخلف البحث العلمي في القطاع الصناعي أو الاجتماعي أو غيره يحول دون تطوير هذه القطاعات والتغلب على مشاكلها؛ وبالتالي فإنه لا يمكن مع هذا التخلف تطوير تكنولوجيات أو تحسين مستويات هذه القطاعات ولا النهوض بها ولا إنتاج الثروات.
إن الاستقلالية التكنولوجية، وإخضاع هذه المعارف وتطويرها رهين بالبحث العلمي وسياسة واستثمار الموارد البشرية، والجامعات بما تضمه من مخابر البحث، وورش التجريب ومدرجات التدريس تعد من أهم وسائل إعداد الطاقة البشرية وصقلها، وتنمية مهاراتها بالعلم والمعرفة والتدريب.
يلاحظ بعض الباحثين أن جامعاتنا لا تقر سياسات البحث العلمي، ولا تحدد أهدافًا إستراتيجية على المدى القصير ولا على المدى الطويل ولا المتوسط، ولا تضم البرامج السنوية للجامعات برامج بحوث بالمفهوم العالمي إلا نادرا، وغالبا ما تكون مشاريع البحوث المنجزة من تلقاء مبادرة فردية أو مجموعات بحث صغيرة.
فهذه الجامعات لم تكن مجالا للبحث العلمي قط. فقد انهمكت بعد حصول بلداننا على الاستقلال في تكوين الأطر من أطباء وحقوقيين ومدرسين ورجال إدارة؛ ليحلوا محل الأطر الاستعمارية، واستمرت هذه الوضعية ردحا من الزمن، وبعد ذلك عند دخول هذه الدول فيما يسمى بالتقويم الهيكلي الاقتصادي الذي أملاه صندوق النقد الدولي، قلت الاعتمادات المالية والنفقات الاستثمارية في التعليم وفي سائر القطاعات. فبدأت ظاهرة بطالة الخريجين التي ما زلنا نعانيها: طوابير من المتعلمين والكفاءات معطلة عن الإنتاج، لا تتاح لها فرصة القيام بدور منتج، مشلولة مهمشة، رغم الحاجة الوطنية الملحة إلى المتعلمين كافة وفي سائر التخصصات.
عوائق في طريق العلماء
تعاني البلاد العربية نقصا في الموارد البشرية العاملة في حقل البحث العلمي فمعدل العلماء الباحثين ضعيف بالنسبة لعدد السكان، أقل من المعدلات العالمية التي قد تصل في البلاد المتقدمة إلى 3000 باحث لكل مليون من السكان. إضافة إلى ذلك عدم توفير شروط البحث العلمي منها:
غياب الحرية الأكاديمية وعدم تفرغ الباحثين. فالعلم لا يعبر عن نفسه بكل حرية. والقيود مفروضة على نشر المعلومات وتداولها، مما يحول دون إتاحتها للباحثين وعموم الناس. وهذا حال البلدان المتخلفة كلها، حيث نجد علماء ينتمون لمصالح الحكومات، ويتولون في غالب الأحوال مهام إدارية، وعلماء آخرون (خارج الدائرة) وهم كثيرون وأكثر نشاطا وإنتاجا، لا يستشارون في التخطيط لأية سياسة علمية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولا يستفتون في القرارات الحكومية المتعلقة بالعلم ومجالاته وتطبيقاته. إن الحرية الأكاديمية يجب أن تتاح للمؤسسات العلمية وللعلماء؛ لأنهم يحتكمون على مقاييس للقيم، تحتم عليهم أن يكونوا قادرين على بلورة أفكارهم والالتزام بحدود أبحاثهم.
وطغيان السلوك الإداري البيروقراطي على أجهزة الإدارة المتحكمة في الجامعات ومرافقها ومخابرها، وشيوع سلوكيات غير أخلاقية بين أفراد الهيئة العلمية والقطاعات الممولة؛ يؤدي إلى انتشار الزبونية والانتهازية وعدم العدالة في تكليف الباحثين وتفرغهم وتمويل أبحاثهم. ؛ بالإضافة إلى تواضع العائد المالي للباحثين. مما يغري ويشجع الباحثين على الهجرة التي تؤدي إلى استنزاف الوطن العربي ومزيد تأخره. والضرورة التي تدعو إلى منح العلماء الحرية في اختيار ميادين بحوثهم، ترتبط بالدعوة إلى إتاحة الفرصة لهم لتحقيق مشاريعهم البحثية بتوفير الشروط المادية وتشريعات العمل التي تسمح لهم بالتفرغ طيلة مدة. 
إجراء البحث
عزلة العلماء وغياب قنوات اتصال بينهم: فعلى مستوى المؤسسات يلاحظ بعض الباحثين أن نظام التعليم العالي بالمغرب يتوزع إلى جامعة ومدارس عليا ومعاهد تكون أطرًا تختلف في معاييرها التربوية ووسائلها وتدبيرها، أتت وضعية الشتات هذه ضمن إرث النظام عن فرنسا، فالمدارس العليا للمهندسين موروث عن فرنسا وباقي دول العالم المتقدم لا تعمل به، والمدارس العليا للأساتذة تعيش أزمة هوية، وكليات العلوم والتقنيات تتمتع بحق إعطاء شهادة مهندس؛ لكنها قد تحاول أن تتحول إلى مدرسة مهندسين، وتفرز كلية الطب أطرا يصعب عليها التواصل مع باحثي كلية العلوم، ولا يشارك المهندس مع الصيدلي في أمور كثيرة، أمثلة مثيرة عن صور الشتات، وغياب التواصل يعني غياب البرامج المشتركة والتعاون المثمر؛ بموازاة المؤسسات الجامعية هناك مراكز بحوث تابعة لبعض الوزارات، وترتبط بجهات مختلفة (جامعة، أو وزارة التعليم العالي، أو وزارة الفلاحة… إلخ) ويترتب على اختلاف الأنظمة وشتات بنيات البحث صعوبات كبرى في تواصل المراكز فيما بينها وبين الجامعات مما يؤدي إلى العزلة وإلى التبعية الفعلية للدولة التي استورد منها النظام لأول مرة .
ويزداد هذا العائق قوة بفعل قلة وسائل الاتصال بين العلماء والباحثين، ونقص تبادل المعلومات بسبب الافتقار إلى أنظمة تبادل المعلومات والنشرات المهنية والمجلات، وللعلم فإن التقدم العلمي يزدهر بالاتصال بين العلماء وذوي الاختصاص على جميع الأصعدة الإقليمية والوطنية والدولية والقارية؛ لمقارنة نتائج أبحاثهم ومناقشتها، والاطلاع على ما توصل إليه أندادهم، وهذا التقدم يعاق بسبب غياب أنظمة الاتصال بين العلماء، فلا تتاح لهم فرص إثراء بحوثهم وتنميتها وتعميق الخبرة، ويضاف إلى هذا العامل قلة فرص التدريب المتاحة لهم، وغياب حلقات التكوين المستمر ودوراته سواء داخل البلاد أو خارجها، بدعوى قلة الاعتمادات المالية المرصودة لهذا الجانب.
إن عزلة الباحث تعني ضعف إمكانية وصوله إلى مصادر المعلومات، وقلة فرص تعرف مجهودات غيره أو منجزات النمو العلمي ومستجداته، واعتماد اللغة الفرنسية في البحث وفي تدريس العلوم والتقنيات في المغرب يساهم في إبعاد الباحثين عن لغة النشر العلمي، ويؤدي إلى اختزال آفاقهم، كما يؤدي إلى رداءة تواصلهم مع عموم المواطنين وضعف اهتماماتهم بنشر الثقافة العلمية داخل النسيج الاجتماعي. إن القدرة على التواصل مع الآخرين توجد ضمن ما يتصدر مؤهلات الباحث العلمي في عصر الاتصال الذي دخلته البشرية ولا تزال تغوص فيه، ولا تقتصر مهارات التواصل على إتقان اللغة الأم والتمكن من لغة أجنبية فحسب، وإنما تمتد إلى تقنيات معالجة النص ومهارات التواصل بصفة عامة.
فالجامعة ليست مجرد مؤسسة للبحث العلمي وإعداد العلماء والتقنيين، فإنها إلى جانب ذلك مؤسسة ثقافية لها دور تثقيفي اجتماعي وطني، تساهم في بعث العلوم من رقادها وفي تثقيف المواطنين وتنشيطهم وحفزهم على الإبداع والتجديد والتأليف من خلال نشرها للأعمال الأدبية والعلمية، وتنظيمها للدورات التدريبية ومهرجانات الفنون والثقافة ومن خلال اتفاقيات الشراكة التي قد تربطها بهيئات المجتمع المدني، وفك العزلة عنها وإدماجها في النسيج الاجتماعي يعتبر من أول الأولويات.
عدم ارتباط النشاطات التعليمية والبحثية العربية ببرامج التنمية والإنتاج وضعف الإمكانات البحثية وعدم تكافؤ فرص وظروف البحث بين الجامعات، فبعض الجامعات تعاني من تخمة مالية بما يخصص لها من ميزانيات ضخمة لتسيير مرافقها وصيانتها، بينما تعاني جامعات في دول أخرى بؤسا ماليا وقلة في المخصصات، يحول دون مواكبة التطورات التقنية ودون تغطية نفقات أبسط البحوث، أو إصدار النشرات.
إن الإنتاجية العلمية والبحثية للجامعات ومعاهد البحث العربي أقل بكثير مما يمكن أن تقدمه بالقياس إلى الطاقات والكفاءات التي تملكها، ومقارنة الإنتاجية العلمية والبحثية العربية مع الإنتاج الإسرائيلي البحثي يثير القلق والأسى، برغم أن الفارق الكبير في الإمكانيات البشرية والمالية هو لصالح الأمة العربية، فإنتاج العلماء العرب مجتمعين في وقتنا الراهن يقل عن إنتاج الفئة نفسها في إسرائيل قبل عقود من الزمن، والأدهى من ذلك هو أن إنتاجية الباحث العربي تعادل 10 % ( من المعدل العادي لغيره من العلماء).
والأسوأ من ذلك أن البحث العلمي ينصبّ خاصة على القطاع الصناعي بالدرجة الأولى مهملا القطاع الزراعي والاجتماعي وغيرهما، وذلك في كثير من بلدان الوطن العربي، رغم أن المآسي الاجتماعية والكوارث الاقتصادية والهزات السياسية التي تعانيها هذه البلدان لها ارتباط وثيق بتخلف القطاع الزراعي وضعف مردوده وبتردي الأوضاع الاجتماعية وتفشي آفات الأمية والجهل والتطرف وقلة الطلب الاجتماعي على العلم وتردي أحوال الريف وتدني وضعية المرأة وانتشار الجريمة والمخدرات وغير ذلك من الآفات التي تحول دون تحقيق أي تنمية؛ وأكثر هذه الآفات مرتبط بتدهور وتخلف القطاع الزراعي الواسع الانتشار في بلداننا، فالتنمية الحقيقة هي التي تركز على تطوير وإنماء القطاع الزراعي ماديا وبشريا بتوجيه فائق العناية بالبوادي والقرى حيث يتواجد معظم السكان، وليس في خلق قطاع صناعي ضخم يكلف رساميل ضخمة وقد يصبح عبئا على موارد البلاد بسبب غياب الشروط والمعطيات.
إن عائد قوة العمل من خريجي النظام التعليمي محدود للغاية في النشاطات الزراعية. فالمشكلة تبقى في مدى الإسهام الحقيقي للإرشاد والبحوث في زيادة الإنتاج الزراعي بصورة عامة وتحسين أحوال البادية، ومدى تكلفة تعليم الخريجين في هذه المجالات، وتكلفة رواتبهم بعد التخرج بالنسبة للعائد الناتج عما ينشرونه من معرفة علمية، وما يساهمون به في حل المشكلات، ومن المعروف في بلداننا أن السواد الأعظم ممن يعملون في الزراعة من الأميين، والأميون يعيشون في عزلة وتهميش، يحرمون من امتلاك وسائل تحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية ويعجزون عن تأمين الحد الأدنى من شروط الحياة؛ فأهم أسباب الرقي هو العناية بالإنسان وتكوينه بوصفه العنصر الذي يمتلك القدرات التي يمكن توظيفها في كل مناحي الحياة.
المعرفة قوة
يجب إذن عند التفكير في تطوير الجامعة والنهوض بالبحث العلمي الالتفات إلى الموارد البشرية الكثيرة كمًّا والقليلة نوعًا، وضمان الرفع من مستواها بتكوين أساسي شامل يجعل الناس قادرين على التفاعل والتواصل فيما بينهم ويزيد من قابليتهم على التعلم ويقوي الطلب الاجتماعي على العلم والتكنولوجيا والمعلومات، ويضمن خلق سوق لترويج المعلومات وضمان استهلاكها؛ ومما يساهم في تحقيق ذلك، تنظيم المعارض العلمية واللقاءات الدراسية المنفتحة على مكونات المجتمع وهيئاته وطبقاته، من جمعيات واتحادات ونقابات ونساء وشيوخ وغيرهم، وإحداث قنوات تلفزية تعنى ببث البرامج العلمية والأفلام الوثائقية والاستطلاعات، واعتماد اللغة العربية في تواصل العلماء والهيئات العلمية مع المواطنين، وفي نشر الأعمال والأبحاث، وإحداث المواقع العلمية العربية على شبكة الإنترنت، وغير ذلك كثير مما يمكن إحداثه، وإقرار برامج ومشاريع التعاون بين الجامعات ومراكز البحث العربية، وبين المؤسسات الإنتاجية وغيرها. 
من موقع اسلام اون لاين -علوم وتكنولوجيا

الفناء الفكري والموت الحراري!


د. خضر محمد الشيباني

من اللطائف في علم (الفيزياء) النظر إلى قوانينه ومفاهيمه ونتائجه، ثم مقارنة تلك القوانين والمفاهيم والنتائج مع ما يناظرها في الاطار العام من حياة البشر وتفاعلاتهم، ومجريات امورهم، وسيرورات احوالهم. ان لمثل تلك المقارنات، الشاحذة للذهن والمطورة للقدرات، فوائد عديدة، فاضافة إلى ما تقدمه من مادة فكرية عميقة جديرة بالتأمل والمتابعة والتحليل، فإنها - ايضا - تعمق الادراك بوحدة هذا الكون، وتجانس عناصره، وتناغم قوانينه، فيتجذر شعور الانسان بتلاحمه العضوي مع مكونات هذا الكون، وتزدهر لديه حاسة الاندماج والارتباط مع نبض الكون وسننه، ناهيك عن تلك الدفقات الايمانية الرائعة التي تدفع بها تلك المقارنات والتأملات إلى عقل الانسان وقلبه وهو يقف في خشوع امام وحدانية الخالق الذي صنع كل شيء واتقنه، وابدع تلك الوحدة الكونية المتلاحمة. ولا شك ان كل تلك التأملات الذهنية والوقفات الفكرية هي من عمليات (التدبر والتفكر) التي امرنا بها الخالق عز وجل، وهي توطد في الانسان ذلك الاحساس الفطري الحق بأنه ليس ذلك الكائن الذي جاء صدفة ليعيش عبثاً كما يزعم الملاحدة، ولكنه نتاج ارادة الهية خلاقة اتقنت كل شيء واحسنت خلقه، فينضوي الفكر والعلم تحت لواء يقود -بالضرورة - إلى الايمان بوحدانية الخالق المبدع لكل ذلك الاتقان والتجانس والتوافق والتلاحم بين عناصر الكون كلها، ومكوناته قاطبة. من المفاهيم الثابتة في (الفيزياء) مفهوم (الموت الحراري للكون)، فالحياة تعتمد في سيروراتها ومجرياتها على الطاقة الناتجة من سريان الحرارة بين الاجسام، وهذه الطاقة السارية بين الاجسام يستفاد منها في تحولات الطاقة المختلفة، وتطبيقاتها المتعددة لتجعل الحياة ممكنة، والتفاعلات الحيوية مستمرة. ولكن.. هناك مأزق في نهاية المطاف، فالطاقة الحرارية تسري من الاجسام الحارة إلى الاجسام الباردة، مما يؤدي بالضرورة إلى انخفاض درجة حرارة الاجسام الحارة وارتفاع درجة حرارة الاجسام الباردة، وهذا يعني انه مع مرور الزمن سوف تتساوى درجة حرارة جميع الاجسام في الكون، ويتوقف سريان الحرارة، وبالتالي تتوقف كل العمليات الحيوية اللازمة للحياة، مما يقود إلى (الموت الحراري) للكون. ان من لطف الله عز وجل بمخلوقاته ان كمية الحرارة المتوفرة في الكون كمية هائلة تقوم الشمس والنجوم بتزويدها، وشمسنا الموجودة في مجموعتنا (المحلية) هي التي تعتمد عليها الحياة على الارض، وهي كفيلة بتزويدنا بكميات ضخمة من الحرارة لمليارات السنوات القادمة حتى يقضي الله امراً كان مفعولاً. ان (الموت الحراري) للكون هو أحد الاحتمالات العلمية لنهاية الكون، ولكل اجل كتاب، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وصدق الحق عز وجل:(الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر، كل يجري لاجل مسمى، يدبر الأمر، يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون) (الرعد:2). ان مفهوم (الموت الحراري) للكون هو من المفاهيم الفيزيائية الثابتة التي تحدد مسار الاحداث في الكون ومن اهم نتائجها انها تقرر ان للكون نهاية، مما يؤدي بداهة في الوقت نفسه إلى ان للكون بداية، وفي هذا دحض علمي قاطع لدعاوى الملاحدة والقائلين بأزلية الكون وقدمه، وهكذا تتهاوى مزاعم فئة (الأزليين) من الفلاسفة تحت وقع معطيات علمية ثابتة، وتسقط اوراق التوت عن عورات الملاحدة. اذن (الموت الحراري) هو فناء للحياة، فلا بد من اختلاف درجات الحرارة من موقع إلى موقع حتى تستمر التفاعلات الحيوية والانشطة الحياتية، ولو تساوت درجات الحرارة على وجه البسيطة، وبلغنا مرحلة (التعادل الحراري)، لتوقفت الحياة، وانتهت المرحلة الدنيوية للبشر. ذلك (الحال الفيزيائي) جدير منا ببعض التفكر في تبعاته في مختلف مناحي الحياة، وقمين بنا ان نتأمل مقتضياته في الاطار العام لتفاعلات البشر، فلو تساوت الارزاق - على سبيل المثال -، وتماثل الناس في الجاه والنفوذ، لاستغنى كل منهم عن الآخر، ولتوقف التفاعل بينهم، ولانقرضت عملية تبادل المصالح والمنافع، ولما اتخذ بعضهم بعضاً سخرياً، ولبغوا في الأرض، ولقاد كل ذلك - حتماً - إلى الاندثار والفناء. وقس على ذلك - رعاك الله - صفات الناس وهيئاتهم وقاماتهم فهي الاخرى يجب ان تختلف وتتفاوت ليكون للحياة معنى، ويصبح للوجود طعم، فلو تماثل الناس وتشابهوا في كل ذاك، لانعدمت القدرة على التمييز بينهم، ولخمدت حرارة العلاقات الشخصية، ولنتج عن كل ذلك - بالضرورة - فناء الفردية المميزة، واندثار الاحاسيس والعواطف، وتعطل العلاقات الاجتماعية والتفاعلات العائلية. اما القضية التي تهمنا هنا فهي حال (الفكر البشري) اذ لا مفر من الاختلاف فيه، والصراع حوله، والتلاقحات المتنوعة في رحابه، لكي تستمر حياة البشر مفعمة بالاحداث والتغيرات والابداعات، فلو اجمع البشر على فكر واحد لكان ذلك ايذاناً بركود الاطر الحياتية وجمود مقوماتها وانهيار اسسها، وبالتالي تتحقق شروط (الفناء الفكري). إذن لكي تستمر الحياة، وتتوالى حلقاتها، وتتعمق أسسها، فإنه لا بد للفكر أن يسري بين معط ومتلق، وبين أخذ ورد وفي بوتقة الطرد والجذب، وكان لا بد أن تلتقي الحجة بالحجة، وان يتصارع البرهان مع البرهان، وان تستمر عملية (الحوار والاختلاف) بأشكال متنوعة، وفي أطر متباينة بين البشر إلى ان تقوم الساعة. لو لم يكن (الفكر البشري) في حال من التنوع والاختلاف والتغير لانهارت معطيات حياة البشر، ولهوت في جرف سحيق من حالة (الفناء الفكري)، وهو مما لا تحتمله الطبيعة البشرية، ولا تقوى على الصمود امام خوائه وجدبه، وصدق الحق عز وجل:(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين). (البقرة:251). وهكذا نجد ان قضية (الحوار والاختلاف) قضية جوهرية في الحياة الفكرية المفعمة بالنشاط والابداع، وعندما تتعطل لغة الحوار فإن (الفناء الفكري) هو الحتمي لانه يعني تطابق وجهات النظر، وتماثل العقول، وتساوي الافهام وبالتالي توقف النشاط الحيوي والتبادلات التفاعلية التي اقرتها السنن الكونية، وتجلت في علم (الفيزياء) في (التبادلات الحرارية) التي لو توقفت لاصبح الكون بارداً هامداً.. وصعيقاً جامداً لا حياة فيه ولا عطاء، ولتحققت ظاهرة (الموت الحراري) للكون. اذن ليس صحيحاً ان (الحوار) في حد ذاته ليس هدفاً، وليس صحيحاً انه اذا لم تنتج عن (الحوار) مباشرة آثار تنفيذية وآليات تفعيلية، فإنه لا طائل من ورائه.

كاتب (إسرائيلي): اتفاق كامب ديفيد انهار عمليًا ونظريًا




رأى كبير السياسيين في صحيفة “معاريف” أن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أفيجدور ليبرمان لم يفعلا شيئًا حقيقيًا لمنع تدهور الأوضاع بهذا الشكل الخطير.
وقال الكاتب “الإسرائيلي” في مقال تحت عنوان “تسونامي سياسي يضرب إسرائيل”: “أسوأ أحلام إسرائيل بشأن الربيع العربي تحققت أمس حين قام متظاهرون باقتحام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وهو 
ما يعني انهيار اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر بشكل عملي ونظري”.
وأضاف: “أكبر مخاوف نتنياهو ان تتحول شبه جزيرة سيناء – وهي بحجم فلسطين وإسرائيل 3 مرات – إلى قطاع غزة جديد لا يمكن ضبطه أو التعامل معه، وحتى لو بنت اسرائيل جدارا هناك فإن هذا يمكن ان يمنع العمليات لكن لا يمكن أن يمنع الصواريخ”.
واعترف الكاتب بأن ثورة مصر ضد السفارة “الإسرائيلية” جاءت عقب قتل “إسرائيل” لعدد من الجنود المصريين خلال عملية إيلات، كما أن الرياح التركية هبّت على مصر.
وسجّل الكاتب اندهاشه لإصرار نتنياهو وليبرمان على “كرامة اسرائيل”، وهدرهما مصلحة “إسرائيل” أمام الأزمة مع تركيا ومصر، مما جعل ليبرمان ونتنياهو أبطال الورق أي أبطال الاعلام وليس ابطال مصلحة “إسرائيل”.
وأضاف الكاتب: “نتيناهو لم يتردد في أن يطلب مساعدة فورية من خصمه أوباما لوقف ما يحدث في مصر وتركيا، وهو ما سيجعل إسرائيل تحبو نحو مصلحة جديدة مع السعودية ودول النفط اللواتي مثل إسرائيل تريد وقف الربيع العربي قبل أن يصلها، وهو ما يذكر الإسرائيليين بتحذير ايهود باراك قبل عام حين قال ونصح نتنياهو أن يعود للمفاوضات مع أبو مازن قبل أن يأتي تسونامي سياسي على إسرائيل”.
وخلواختتم المقال بقوله: “إسرائيل فشلت في عصر نتنياهو، فشلت في المفاوضات مع أبو مازن، وفشلت في منع البرنامج النووي الإيراني وفشلت في وقف الأزمة مع تركيا وفي إخضاع حماس وفي كل مرة تكابر ومن ثم تعود تصرخ وتولول لأمريكا من أجل مساعدتها وإخراجها من الورطة” .
وكان محتجون تمكنوا من دخول شقة تابعة للسفارة “الإسرائيلية” في المبنى الذي يضم السفارة وألقوا بمئات الأوراق الخاصة بالسفارة من الشقة إلى الشارع.

الجمعة، 11 نوفمبر 2011

خواطر حول اللغة والهوية القومية


أود الإشارة باني لست باحثا لغويا، بل اكتب من المنطلق الفكري أولا ومن تجربتي الشخصية ثانيا، وقد رصدت في واقعنا العربي داخل إسرائيل قضايا عديدة تناولتها بمجموعة مقالات، اللغة هي جانب هام فيها.
أهمية اللغة العربية لأبنائها العرب ولدارسي الحضارة العربية ، وقيمة هذه اللغة وحيويتها، وطرق تطويرها وتقريبها للقارئ ، هي من المواضيع التي بات طرحها في الآونة الأخيرة يتزايد نظرا لبعد مجامع اللغة العربية عن نهج استيعاب المصطلحات العلمية والتقنية ومحاولات عقيمة إيجاد لفظ بديل في لغة الضاد، بدل تبني الاصطلاح الذي صار سائدا ولا ينتظر قرارات تأهيله لغويا، وعدم رؤية بادرة ما لتيسير هذه اللغة بما يتلاءم مع المناخ الفكري والثقافي المتغير دوما والمختلف عما كان سائدا في الماضي ، عبر مختلف المراحل الثقافية.
إن بعض المشاكل التي لم تطرح ، هي نتيجة ترسبات لم تجد حلولها ، وباتت تشكل عائقا لغويا، للكثيرين من أبنائها، فنجدهم يهربون إلى لغات أجنبية لكتابة أبحاثهم ودراساتهم، بسبب إشكاليات المرجعية اللغوية العلمية والتكنولوجية في لغتهم الأم.
حقا اللغة وسيلة وليست غاية، ولكني لا أرى أن اللغة هي من أهم العوامل التي تكون هوية الشعوب،إذ يدعي البعض أن اللغة هي أساس التواصل القومي العربي. هذا الطرح عاطفي وغير علمي تماما. إن الهوية اللغوية المشتركة بين الفلسطيني والسعودي، أو المصري والتونسي، ودواليك، لا تجعلهم شعبا واحدا، ولا ثقافة واحدة ولا فكرا اجتماعيا واحدا ولا طباعا واحدة، رغم انتشار مفاهيم الانتماء القومي العربي، الذي يجري أيضا التنكر له من التيارات الدينية الأصولية، بطرح الانتماء الإسلامي كبديل للقومي. عمليا هناك مسافة واسعة في فهم مسائل دينية ودنيوية مختلفة، حتى داخل المجتمع الواحد أو التيار الديني الواحد ، من أسباب ذلك ليس التعددية الفكرية بالأساس ، بقدر ما هو الماضوية الفكرية وتصادمها مع الحداثة والتنوير.
اللغة بلا شك لها دورها في تكوين الهوية القومية ، والدين أيضا له دوره. ولكنهما ليسا من أهم العوامل. والواقع العربي القائم يثبت ما أذهب إليه. إن لغتنا لا تشكل هوية قومية مترابطة بين العرب. واليوم صرنا نستعمل اصطلاح الشعوب العربية أو الأمم العربية بإشارة إلى أن الشعوب العربية غير متكاملة من حيث هوية قومية واحدة،او هوية ثقافية واحدة، رغم ما يوحدها من لغة واحدة.. ودين واحد على الأغلب ، ومرجعية لغوية واحدة .. بل وبات اصطلاح "الأمة الإسلامية" يطرح شكلا أوسع من "الأمة العربية "، في رفض ضمني لمفهوم القومية العربية، وفهم خاطئ لمفهوم الأمة ، بأنها ليست ظاهرة كونية، أو ظاهرة عابرة لحدود الدول والقارات. وما يولده هذا الطرح من إشكاليات قومية وثقافية داخل المجتمع الواحد.
ولا أرى أن هذا الطرح ( الأمة الإسلامية) يقدم شيئا للواقع العربي عدا النشوة العابرة... لأنه في الحقيقة لكل دولة مشاكلها الخاصة ، وصراعاتها الخاصة ، ثقافتها الخاصة ، تركيبتها الاجتماعية المختلفة،عاداتها المختلفة، مستواها الاقتصادي المختلف ، نظامها وقوانينها المختلفة والتي تؤثر على تطورها الاجتماعي، حتى في إطار انتماء ديني أو جغرافي واحد ..
يجب عدم التجاهل أن نسبة الأمية المرتفعة في العالم العربي، وضعف تعليمي مصدره سياسات تعليمية لا توظف الميزانيات لتطوير التعليم ، كما لا ترعى الجهود لرفع مستوى المعلمين والإدارة التعليمية، ولا توفير التجهيزات والبني التحتية المناسبة لمجتمع ينشد الرقي الحضاري، بل نرى نقصا في مقاعد الدراسة تقدر بأرقام من سبعة خانات ( بعض المعلومات تتحدث عن 10 مليون طفل خارج سلك التعليم العربي).أي حرمان أجيال كاملة من حقوق إنسانية أولية نصت عليها كل المواثيق الدولية: حق التعليم. ومحاربة الأمية لم تنجز أي تقدم، بل الأرقام في ارتفاع ، خاصة بين النساء.
مشكلة أخرى لدى "المتعلمين" مشكلة فهم المقروء من أوساط واسعة جدا، يجعل من لغتنا أداة لا تخدم قضية تكوين الهوية القومية أو الفكرية أو الثقافية. وأن لا ننسى أيضا أن العالم العربي مليء باللهجات المحلية التي لا يفهما العرب الآخرون . وهناك عشرات اللهجات الغريبة الغائبة عن فهم مواطني الدول العربية، والمأساة أن متحدثي اللهجات المحلية، أحيانا لا يعرفون لغة أخرى غيرها ( التقدير يقول بوجود 35 – 40 لهجة محلية)، أي أن اللغة لا تشكل أداة تكامل قومي ، بل في هذه الحالة أداة تباعد وتشرذم.
برأيي أن العائق الأخطر على التكامل القومي هو العائق الاقتصادي.المواطن العربي الذي يعيش تحت خط الفقر بدخل دولار واحد أو دولارين يوميا لا يحتاج إلى لغة وهوية قومية، يحتاج إلى رغيف خبز بات الحصول عليه صعبا.. وأنا أتحدث عن أكثر من ثلثي المواطنين في العالم العربي. في مصر مثلا، ما يقارب 80% من الشعب المصري يعيشون بدخل بين دولار إلى 3 دولارات يوميا، و 20% أكثر من 3 دولارات يوميا، منهم 1.5 % يعرفون بالقطط السمان يسيطرون على ما يقارب نصف الإنتاج القومي المصري. فهل بالصدفة أن يخرج الملايين لإسقاط النظام الفاسد؟.
الذي يؤثر على خلق هوية قومية متماسكة هو الاقتصاد. وبوضوح أكثر "الإقتصاد المشترك"، عبر تطوير مستوى الدخل وتخطيط إنتاج فرص عمل للأجيال الجديدة، ينقل المجتمع إلى مرحلة ارقي تعليميا وتطويرا اقتصاديا واجتماعيا وعلميا – العلوم اليوم هي قوة اقتصادية مركزية. والهدف خلق واقع جديد.
للأسف العالم العربي لأسباب عديدة، بينها أسباب خارجية مؤثرة ولكنها ليست حاسمة، وبينها، وهذا الأساس، قصور وإهمال صارخ من الأنظمة، من تركيبتها التي لم تعد تناسب عصرنا المتطور والديمقراطي، الذي يفترض استقلال مؤسسات السلطة، وتبادل ديمقراطي للحكم، وليس حكما فاسدا وراثيا تسيطر عليه عصابات مافيا، ولا يتغير إلا إذا وصل الشعب لدرجة الانفجار الباستيلي ( من ثورة الباستيل).. كما شاهدنا في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والحبل على الجرار.
نظرية أن الهوية القومية في جذور تكوينها الاقتصاد المشترك، طرحها أحد أهم فلاسفة ومفكري القرن التاسع عشر ، كارل ماركس. وقد ثبت صحتها. الدول المتطورة اقتصاديا، تطورت فيها الهوية القومية والانتماء القومي واللغة القومية والقوة القومية أيضا لحماية مصالحها ، وبنفس الوقت لم يتأثر وضع الدين أو الهوية الدينية، بل أعطيت حريات دينية واسعة ، وحرية من الدين. وظلت للديانات مكانتها ودورها.وبكلمات أخرى ، الدول المتطورة تعطي حرية دينية شاملة لا تتوفر في الدول التي تدعي انها تسير على نهج الشريعة الدينية.. حيث تسود عقليات بعيدة عن أي فكر منطقي ، وقوانين من العصور ما قبل الوسطى ، وغياب كامل لأي مفهوم ديمقراطي بسيط، وحرية الرأي محددة، ويعاقب القانون كل من يتجاوز رأي السلطتين السياسية والدينية.
عندما أقول الاقتصاد المشترك ، لا اعني ما هو سائد في الدول الفقيرة وضمنها معظم دولنا العربية، بما فيها الدول النفطية، هذا ليس اقتصادا بقدر ما هو عجز تنموي وغياب فكر اقتصادي وبرمجة اقتصادية وإستراتيجية اقتصادية، وعجز تطوير مستوى الحياة والرفاهية الاجتماعية، إلا لعصابات السلطة والمقربين من شخصيات النظام ، والنتيجة بطالة متزايدة وغياب التخطيط الاقتصادي لضمان فرص عمل للأجيال الجديدة. وبالمقابل تطوير أجهزة القمع لضمان الأمن السلطوي.
النماذج في عالمنا ، لدور الاقتصاد المشترك في بناء القوميات كثيرة، والنموذج الأقرب لنا هي دولة إسرائيل، أحببنا ذلك أم لم نحبه. من مجموعة مهاجرين مختلفي الثقافة،ومختلفي المستوى الفكري والاجتماعي، بل من ثقافات متناقضة وكثيرة المفارقات، بعضها في القمة وبعضها في الحضيض، ونوعيات سكانية متناقضة، وألوان شتى، أنشئوا دولة وشعبا متماسكا، واقتصادا يعتبر اليوم من الأقوى والأكثر تنوعا وثباتا في العالم، وطوروا العلوم والهايتك والأبحاث ليحتلوا مكانة متقدمة في السلم العالمي. وليس سرا أن اقتصاد إسرائيل لم يتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية. إلى جانب نظام ليبرالي ديمقراطي بمؤسسات مستقلة، لا تتردد في محاسبة أي مسئول من رئيس الدولة حتى أصغر موظف. ورغم غنى مداخيل المواطنين في إسرائيل، بما فيهم الأقلية العربية، بالمقارنة النسبية مع كل دول الشرق الأوسط ( 30 – 35 ألف دولار حصة الفرد من الناتج السنوي) إلا أن وجود فجوات اجتماعية اقتصادية آخذة بالاتساع بين الأغنياء والفقراء ، فجر انتفاضة اجتماعية أرعبت السلطة، وما زالت الانتفاضة متواصلة رغم كل التعديلات التي أقرت، ولم تقنع قادة الانتفاضة بأنها كافية.. ولم يحدث اعتداء بوليسي على المتظاهرين، بل توفر حماية بوليسية للمظاهرات وأمن المتظاهرين ( ملاحظة، للأسف بعض المواقع تحذف مثل هذه المقاطع من مقالاتي أو لا تنشرها من فهمها العاجز انه مدح لإسرائيل، هل المشكلة في فهم المقروء؟ هذه الحقيقة مؤلمة حقا لعالمنا العربي، ويصر البعض على رفض معرفتها، ويتواصل التهريج عن قرب خلاصنا، بمعونة الله، من إسرائيل، وليتهم كرسوا جهد حسابات نهاية اسرائيل في تطوير المجتمع والعلوم والاقتصاد، وسننتظر نهاية إسرائيل حين ينور الملح في مزارع العرب!! ).
أسوق هذه التفاصيل ليقيم القارئ العربي الفجوة الرهيبة في المقارنة بين نظامه " الوطني الوحدوي الاشتراكي الثوري.. الخ " ونظام عدوه، ليفهم أسباب قوة عدوه وحصانته واستمرار عدوانه واحتلاله لأراض عربية في ظل عجز عربي مخجل نسميه "أمريكا" حتى لا نقر بعجزنا!!
إذن الموضوع يتعلق بالواقع الاقتصادي والعلمي والتعليمي ومستوى الجامعات وأبحاثها والقضاء على الأمية ونشر التعليم وتطوير العلوم والتوظيف في الأبحاث الجامعية، وتطوير اللغة وعدم البقاء في اسر الماضي، والوهم بأن العودة إلى الماضي هي الطريق للتقدم.. وبناء دول المؤسسات المستقلة وتبادل ديمقراطي للسلطة.
الموضوع ليس اعتزازنا وحبنا للغتنا وما أنجزناه من حضارة، إنما قضية جعل اللغة العربية لغة علوم وتكنولوجيا . هناك مشكلة في إيجاد الاصطلاحات العلمية والتقنية باللغة العربية . والجريمة التي ترتكب هي محاولة إيجاد صياغات بديلة تولد ميتة ومحنطة وغير قابلة للاستعمال وتعيق على لغتنا. مثلا ما الضرورة لنحت اصطلاح "التخطيطية" بدل اصطلاح دارج ومفهوم وسهل الاستعمال مثل "استراتيجية"؟
لا شك أن اللغة العربية هي جزء من الهوية القومية، ولكن بوضعها البائس هي هم قومي وفكري.

*****
هل كان يمكن أن يصبح نزار قباني الشاعر الأكثر قراءة وتأثيرا لو لم يصر على نهجه الحداثي لغة وأسلوبا وأفكارا ؟
هل يوجد في اللغة العربية لغة فصحى كلاسيكية، ولغة فصحى أخرى حديثة يسميها البعض "لغة الصحافة"؟ أم أن الفصحى هي فصحى واحدة تتطور وتتعدل حسب الظروف الحياتية والواقع الاجتماعي والاقتصادي المتحرك ؟!
معروف انه يوجد نقاش لم ينته بين مؤيدي الكتابة بالفصحى ومؤيدي الكتابة بالعامية، وهناك اتجاه ثالث ، وسطي ، ينادي بتقريب الفصحى للعامية ، وتقريب العامية للفصحى( تفصيحها) !!
لا يمكن برأيي نفي موروث اللغة العامية وتعابيراتها المفعمة بالدقة والحرارة ، والتي لا بديل لها أحيانا بالفصحى.
كذلك لا يمكن القول أن تراثنا بلغته ومفرداته لم يعد ذا أهمية. إذ لا شيء يتطور من العدم. أما مدى العلاقة الدينامكية ، بين الموروث والحديث ، بين أساليب التعبير القديمة وأساليب التعبير الحديثة ، بين أساليب الصياغة القديمة ، وأساليب الصياغة الحديثة ، فتلك برأيي تبقى مسالة للغويين ، وليست لنا نحن الكتاب والشعراء وسائر المبدعين ...
للأديب مهمة محددة ، كما افهم ... أن ينقل بشكل فني ما يراوده من أفكار وصور، وبلغة تتلاءم مع زمانه ومكانه ، دون التقيد بأهلية هذه المفردات أو عدم أهليتها ، لأنه عندما نتحول من الإبداع في لحظة نشوة ، إلى البناء المحسوب بمقاييس لغوية متزمتة ، عندها لن ننتج أدبا وفنا إنما فذلكات ذات شكل لغوي بلا مضمون فني ، وبلا حياة !!
وأعود للبداية : ما هي لغة الصحافة ؟!
هل هي نبتة غريبة في بستان اللغة العربية ؟
هل هي لغة أخرى دخيلة على لغة الضاد ؟
أنا أحدد واعرف بنفس الوقت، أن لغة الصحافة، هي اللغة ذات المفردات الأكثر استعمالا وفهما في محيط اللغة العربية الواسع.
هل هذا ينفي تطوير مفردات جديدة ؟ أو الاستفادة من مفردات كلاسيكية تعبر بشكل أدق وأجمل عما نريد قوله ، وبشكل بعيد عن التعقيدات ، والفذلكات اللغوية ؟!
أحاول هنا أن أحدد فهمي للموضوع برمته ، ربما هذه التسمية " لغة الصحافة " هي تسمية خاطئة، ولا تعبر تماما عن الواقع . أنا أميل لتسميتها ب " الفصحى السهلة "... أو " الفصحى الحديثة " كمميز لها عن الفصحى الكلاسيكية. وفي الوقت نفسه أرى أن اللغة في كل زمان ومكان يتحدد شكلها وثروة مفرداتها ، حسب معطيات العصر نفسه .
حاولوا أن تكتبوا عن واقع العراق المأساوي بصياغات ومفردات وأسلوب الجاحظ. . أو عبدالله بن المقفع ... أو حتى طه حسين الأكثر حداثة .
خذوا قصة أو رواية لكاتب ما ، حنا مينا مثلا ... وحاولوا أن تبدلوا مفرداتها بمفردات كلاسيكية، أو أن تصبغوا النص بأسلوب كلاسيكي ...
هل ستحصلون على مبنى روائي أجمل وفنية أرقى، ولغة أبعد تأثيرا ؟!
لا شك عندي من عبث المحاولات.
إن فنية العمل، لا علاقة لها بمدى ضلوع الأديب بنحو اللغة وقواعدها، اللغة جهاز ( أداة ) أساسي وضروري ولا إبداع بدونه. أما الإلمام علميا بتفاصيلها وقواعدها ، فهو عامل ايجابي ، ولكنه ليس العنصر الأساسي للإبداع الفني ، وبالطبع تبقى المسألة نسبية .
إن اللغة جسم حي ومتطور باستمرار، ولكل عصر لغته، مفردات ومعان ومناخ ثقافي وفكري، وما يسمونها اليوم " لغة الصحافة " هي في الحقيقة اللغة الفصيحة السهلة المعاصرة الأكثر سرعة في التكيف مع الواقع.
وكما إننا لا يجوز أن ننقطع عن الموروث اللغوي والثقافي، فلا يجوز كذلك أن يقف الموروث حاجزا أمام التطور الدائم للغة.

*****

أثناء قراءتي لكتاب " الثقافة والامبريالية " للمفكر الفلسطيني د. ادوارد سعيد ( ترجمة استاذ اللغة العربية في الجامعات البريطانية بروفسور كمال أبو ديب ) وقعت بفخ المفردات المعجمية، والصياغات اللغوية المركبة، مما جعلني أكرس جهدا مضاعفا لفهم لغة الكتاب العربية أولا ، قبل أن افهم الطرح الفكري المثير للكتاب. وكنت قد " تورطت " قبل "الثقافة والامبريالية " بقراءة كتاب لادوارد سعيد أيضا ، ولنفس المترجم ، وهو كتاب "الإستشراق "، وهزمتني لغة الكتاب، شديدة التعقيد والغرابة، ولم أستطع الصمود في معاناة القراءة والبحث عن تفسير للمعاني ، كنت وكأنني اقرأ كتابا بلغة أجنبية لا أتقنها جيدا، وعلمت من صديق لي ، مثقف أكاديمي ، انه فشل في قراءة النص بالعربية وقرأه بنصه الأصلي باللغة الانكليزية ، وانه هو الآخر لا يفهم ضرورة هذا التعقيد والنبش لإيجاد مصطلحات عربية لا يستعملها جيلنا ، ولن يستعملها أحد من الأجيال المقبلة، وذلك بدل تطوير اللغة العربية وتسهيلها ، كما حدث ويحدث بمختلف اللغات العالمية.وقد قرأت نقدا من مثقفين لبنانيين ، ذوي أسماء معروفة، لترجمة كتاب الإستشراق ، وقالوا: "إن ترجمة كمال أبو ديب تحاج إلى ترجمة عربية ليفهما القارئ العربي".
كتاب ادوارد سعيد " الإستشراق" قرأته فيما بعد مترجما للغة العبرية ، بلغة واضحة وسهلة الفهم،أصابتني بالغيرة، كيف تطورت العبرية من لغة ميتة إلى لغة علوم وثقافة سهلة الاستعمال وميسرة لمستعمليها تأليفا وترجمة واصطلاحات، بينما لغتنا تغط بسبات عميق ، وما زلنا نلوح بشعارات متكبرة لن تقود إلا إلى المزيد من الضمور اللغوي.. والسؤال الذي أحزنني: لماذا الترجمة العبرية مفهومة لقارئ مثلي يعيش نبض اللغة العربية ويعشقها ولا يستطيع قراءة نفس الكتاب بلغته الأم – اللغة العربية، التي تشكل محورا لعالمه الإبداعي ؟
إذن لمن نصدر كتبنا ؟
لمن نكتب إذا كنا غير مفهومين بصياغاتنا ؟ هل هي اقرار بصحة مقولة ابن خلدون الذي قال: " لغة الأمة الغالبة غالبة ولغة الأمة المغلوبة مغلوبة؟"
إذا عجزنا كمثقفين عن فهم ترجمة بلغة عربية ( ولا استهتر بقدرات المترجم وموسوعيته)، ولكنها ترجمة نخبوية بعيدة عن المناخ الثقافي السائد حتى في أوساط المتعاملين باللغة، فما هو حال سائر المواطنين ؟ وأنا أظن أن الموضوع ابعد خطرا من مجرد ترجمة كتاب. الموضوع يطرح واقع اللغة العربية، وواقع المجتمعات العربية، وواقع التواصل بين الشعوب العربية.
كيف نصبح شعبا قارئا، حين نعجز عن فهم المقروء؟ وكيف نصبح امة واحدة حين لا تجمعنا لغة واضحة متطورة، ولا اقتصاد واحد يصهرنا اجتماعيا وثقافيا.
أتوقع أن يجري الرد على مواقفي بنفس الأفكار التي مللنا من استعمالها ، بوهم أنهم وجدوا ما عجز عنه آبائهم بدون فهم أن المعايير القديمة لا تصلح لعصر جديد.وان الموروث جيد في وقته ، وان اختلاف المعاش يقود إلى اختلاف التفكير واختلاف الاحتياجات واختلاف سلم الأولويات وضرورة تبني قناعات جديدة. نحن لا نعيش في عزلة عن عالمنا. بل بتأثير متبادل، حتى الآن كان تأثيرا من جانب واحد. وكم نبدو صبيانيين بظننا أن قديمنا يصلح لعالم اليوم، وهو لا يصلح لأكثر المجتمعات تأخرا.
والأخطر، كيف يصبح لنا دورا اجتماعيا وسياسيا في تقرير مستقبل أوطاننا، إذا كنا عاجزين عن فهم، على الأقل... لغتنا البسيطة المستعملة في وسائل الإعلام ؟ وعليه كيف يمكن أن ندعي أن اللغة هي ضمن تواصلنا القومي؟